الثلاثاء، 7 سبتمبر 2010

تَتِمّة ..


للليل ايادٍ تمتد نحو النجوم البرّاقة فتَضُمّها كمشكاةٍ فيها مصباح ، تري النور منبثقاً من بين أصابعه، تري الحدود في عمادها نمارقُ النور ، وتلألُأ أيات الوجود فيها كالسهاد العتيق.
فالنجوم متزينةً في بريقها ، ترتديه كالتّاج وتُلقي بضفائره في آبار عميقةٍ في ظلام الليل الدامس ، ثم تتابع ما كانت عليه كأن شيئا لم يدع سُبل الإشراق علي الكون لها من خيط سليق .

فخيوط النور ما إن تيقّنّا فيها المداد ما مُدّت الا بمادٍّ ، ولا نحسب المادّ يرضي بإنفتال الخيط تجازُفاً عبر بوق الزمان ، فما هي الا بِبُنْيانِها تتحري وتتقطر النور إن أُطيل لجذوتها الاستمرار ، وما حملته من احداثٍ في سماء وجودها فتذيعه بغير قاصدٍ بقالبٍ تتشفاه العوابر برصانةٍ او بصدفةٍ فريدة ، فمن بين إنعكاسٍ وإنكسار لتوهُّجاتها نري كتاب الاحداث وما حملته دفاته فيها لبعض شخوصٍ الا كقمرٍ بدر .
ففي تمام ذاك الخطب ترنّح النسيم بخفيره بترقرقٍ في خفقان الضوء المنبعث من نجم طلّ فوق أوراق الريحان، وتلي كمان الأثير تتراً بصوته الرحيب .
قالت نسمةٌ متحاملةً هنيف هبوبها للنسيم : تشّفي نور الفضاء الخافت بنا وما أبصرنا الدروب دليلا ولا مزرائاً يزيِّن لنا الطريق ، فتراني ارتطم يمنة بأقحوان وأخري اتحسس فيها زهر الزعفران وثالثة اتجرع فيها اشواك عدّة ، ثم لاح بي الهبوب الي شرفة بيت فيها نورٌ لافت .
فأشْرعني الفضول في خوض فضائه ودخلت وصرت اتحسس الاشياء من حولي ، ودخلت مغمضةً لا أدري سبباً لهبوبي في ذاك الفضاء الا حدساً بي عابر .
ففي ذاك البيت رأيتُ فتاةً توسدتْ ملاءةُ الدمعِ أخاديدا خطتها قطرات حزين علي محياها ، فتلاحقْتُها بالاسباب علّي أجد عندها ما الضرر ، او بما تري فيه الحزن آخذٌ بأقتاب انفاسها ، فأصون الملح في ادمُعها فنراه بعد حينٍ كبياضٍ مالحه منصهر .
يا نسيم الهبوب أرك تنظر النجوم فأحلوَّ لك فيها المنظر، وأردفتَ السمع لي بإطراقك فألِفتَ في صوتي حسن المفرّ ، فما مفرَّ ما سمعته مني يا نسيم الهبوب ؟

نرنّح النسيم في هبوبها جزلاً كمحدّثٍ في استعداده للكلام فقال : ترَيْنَ النجوم في إرسالها النور لنا ككتابٍ نقرؤه حتي وإن كان النور في اعيننا هافت، وما عسانا الا منقسمون فيه الا كفريقين لا ثالثا لهما ، فهناك من تلاه بتقليلٍ في مضمونه كجاهلٍ به ، وهناك من تركه متعلل فيه لجذوةٍ صنّت وضّاحةً في بحر ملاقيه فوصل الخبر ، وعند تشابُهِ الكُتب في مضامينها يتآخذ التشابه بصمتٍ وسكوت .
يا نسمة الهبوب : فدعي حدسك في الايام كالملحِ لا تذرفينه الا وقد لاح فيه التأكيد الي وقتٍ وحين ، ثم بعد ذلك ترين الفتاة ما شابها من اسباب لأحزانها ، وحينها تعريفن الخبر .
إنتهي .
دمتم بعز ..
محمود الراعي
4/9/2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق