الأحد، 4 يوليو 2010

الغرور


أضجرته الوحدة في يوم ربيعٍ متفتح الأزهار، الطيرُ في السماء يشدوا، والريح في السهول الساحرة تصبوا ،والنور ممتداً بأشعته فصار مطرزاً ثوب الأرجاء بجمالٍ دُهاق .
انحدر الظبي من أعالِ المروج الخضراء يطوي في عدْيِه الفناء بخفةٍ كأنه السهمُ المترنح بقوةٍ في قوس الرامي ، أنسلَّ في خلالها والذهن فيه تائهٌ ، واستدرجته اللوعةُ الغامضة والبِشرُ فيه شاحبٌ ، وقلبه فيها معللاً أسباب الفتور بنارٍ تُستلاق.
أخذ به الجهد كل مأخذٍ ، وصار به الظمأ كل مسلكٍ ، فتوقف هنيهةً فجذبه خرير الغدير نحو شعابه الممتدة من اعالي الرياض اليانعة بما فيه من منظرٍ تتورع فيه الروح انواع الدوال الحالكات.
صرير الهواء في أذنيه تدافع فصنَّ علي أثره الاسماع فاغمض عينيه برهةً ثم تلفت عن يمينه فرأي ظبائاً ذات قرونٍ طويلة تتسكع علي حافة الغدير ثم رآها وهي تنتاب في نزعاتها من الغرور لما فوق أعاليها ، ثم رآها تنظر إليه في إزدراء شحيب ، فدني براسه والحزن قد تعلق بتلابيبه وقال ( الشاطر من يضحك في الآخر)
نظر الظبي للماء فلعل انعكاسه يأتي له بما تمني بصورة فيها قرون جميلة ، اطرق راسه من جديد وولي مدبرا فالوقت لم يحن بعد .
فتوقف عند جدولٍ صغير ورأي تشابك الاشجار في ثناياه ، فنادته ظبيةٌ تمشي متبخترةً تجول بغُرورها الانظار فنظرت لراسه وقالت:

أري صحراء البوادي علي المحيي كالحةً
بغير نبتٍ ولا زرعٍ في الفضي الواسع تجول

قد صرتَ علي الألسن السامرة بسيرةٍ ساخرة
والكل اضحي ضاحكٌ بالجهر الفاضح فعول

نظر إليها الظبي والتبسُّم ملأٌ بفيه ثم جثي علي ركبتيه فقال :

أري غرورك الطافح كنار الهشيم تؤرِّق الأرواح
والصبر عليك واجبٌ حقا وإن وافقتكِ الظنون

فدوام الحال من المحال وإن طال به الزمان
فهما أضحي بي التأخرُ فحتماً سرُّه لا يهون


وأردف قائلا من جديد: ( الشاطر من يضحك في الآخر)
وما هي الا لحظاتٍ قليلة والكل في صمته قد صار أبكمُ لا يتكلم ، فجأةً هالهما إندفاع اسداً من بين شجيراتٍ قصيرة ، قد نظرا في عيونه فطرةً قد سطرت دوماً بنواميس الإفتراس .
فإنطلقا في خفةٍ وإنتشارٍ سريع ،ثم صاحت في قلب الظبي ترانيم النجدة في صوت نحيب ، تلفت فرأي الظبية قد تعلقت اغصان الاشجار في قرونها الطويلة وحاولت جاهدة الإفلات لكن الاسد إنبرش نحوها في سهاده المعهود ، ووقع المصاب ....
حينها تتبع الظبي بنظراته الموقف وما هو فيه من حزن وقال :

إن سلك الغرور في القلب طريقا سامرا
فلا بد للندم من نصيبٍ به الروح تذود

يا طالبا نور العيش كشوق الحب متعجلٌ
لا تبرح ضفاف التواضع فتعش شقياً مردود

تتبع أسرار الخوالي ففيها حِكم وضّائةً
وتحامل مآخذها فالصبر فيها طنيب الوجود

إنتهي
كتبه/ محمود
بتاريخ 30/6/2010م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق