الخميس، 15 يوليو 2010

سؤال الحقيقة ...


سؤال الحقيقية
...
مُحدودب الظهر ، غائر العينان ، افطس الانف ، تدنوه ابستامةٌ دائمة ، فالتبسم في وجوه الناس صدقة (حال الشيخ).
كان الشيخ ابو عماد في طريقه للمنزل وحيدا فالليل حالكٌ مظلمُ الاوصال ، إستراح قليلا بالوقوف ثم استمر في ممشاه ومضي .. ثم فجأةً قفز في طريقه شخصٌ حاشاه بخفّةٍ وسرعةٍ متناهية ، إعترض طريقه ، فتفحصه بعيونه الذابلتين وتناقل بحدسه تهجساته رغم شح الأنوار وتكهناتها ، فالعيون فيها حكايا وحكايات ، نظر اليه ثم اطرق حاجبيه الكثيفين من جديد ولم ينبت حينها بكلمة او بحرف ، عجباً.. فماذا وجد ؟؟ فما أكثر الذين نظر الشيخ في وجوههم ، وما تراه قد دنا بهما الا لامر كبير.

استل نزيل السوء نبوته ولوح به للشيخ وقال: هات ما عندك من مال وكن حسن التصرف والايداع .
قال له الشيخ : أأنت لص يا هذا ؟! هي حفنة من نقود قليلة ... فإن كنت مضطرا فأخبري .
فقال النزيل: سأخذها منك يا ساذج
- هي لك ولكن قبل ان تريني أعراض اكتافك لك مني سؤالين وما اظنك قد تخونني الظن ، ثم ولي نحو مُرادك هانئاً بما اخذت مني وسعدت.
- سل ما بدا لك وعجّل
- هل انت انسان؟
- ولماذا تسأل؟
-من أجل سؤال آخر
- انا انسان
-وهل أنت متأكد ؟
- نعم..
- فقال له الشيخ : ولكنك لم تصدقني القول يا هذا ..
-فقال له النزيل : فماذا انا إذا؟
- فرد عليه الشيخ : هما سؤالين وقد اخبرتك بهما فسَلْ نفسك وما عساك الا والج المفرق.
حينها انصرف النزيل في طريقه ومضي الشيخ في طريقٍ آخر، كأن شيئاً لما يحدث ، فالبسمة تعلو تجعدات وجهه من جديد فقد إيقن بفلاح بذرته التي بذرها في تربته.. بذرة البحث عن الذات الضائعة !!

ارتسمت علامات الحيرة علي وجه (النزيل) حسام وتقلّبت جزوة السؤال في كانونه المظلم وردد من جديد هل انا انسان ؟ وهل بي حفنة من الصدق كما انكرها عليّ الشيخ؟ إذا ففعلي هذا انما هو كذب علي نفسي بسعادتها الزائفة .. ولكني سأجرب السعادة بنكهة جديدة هي نكهة الصدق الجميل .

مضي الليل الا أقله والعيون تآبي الاغلاق ولو للحظات قليلة فالفكر مشغول والبال مشجون ... يا ليل ، يا قمر ، لا بد لي من إكتشاف الخبر .. قال حسام.
حينها تذكر رجلاً حكيماً في قريته ، هو ذو علمٍ وافرٍ قد احاط بما هو فيه حسامُ فقيد
دق الباب فقال الحكيم : من بالباب
فرد عليه : انا حسام
- فقال الشيخ خيرتك في ثلاث والا انصرف .
- هات ما عندك
- ان كنت ضيفي فلك حقٌ عليّ ثلاث ايام ولياليها لا اضجر منك حينا ولا أَمَل.. والثانية.. ان كان لديك سؤالاً فكتبه علي صحيفة الباب وتوكل وانظر الجواب في ريش الطير الصفراء يوم ينتشر الخبر ، والثالثة ... ان كنت ترجو مالي فهو في قارورة الورد عند جانبك الايمن خذه وانصرف .
- قال حسام : ولكني طنيب الاولي و الثاينة معاً يا حكيم
- حلت علينا البركة تفضل يا حسام .

دخل حسامٌ وحيرة الثالث تؤرقه هل تقابلنا من قبل؟ فكيف واين ومتي ؟
مكث حسام.. واليوم يتلوه الاخر حتي انقضت الايام الثلاث ، فقال الشيخ لحسام .. قد عرفتُ سؤالك وما تراني الا اجيبك : هل انت انسان ؟
وتابع الحكيم قائلاً:

(( سؤال الحقيقية لا يجابه بردٍ مجرد ، ولا يؤاخذ بنظريةٍ محدودة الاركان ولا يفاهم بتتناقض اعوج ، فلننظر لقيمةٍ طالما تغنينا بها وتواعدنا الارجاء في خلالها بالنشيد، ثم إذا بنا قد شطرناها لنصفين بفأس الاعذار والواهية التي ما لفت الا بكذب متقع ..
فالفرق هنا جليٌ بين ان نصدّقها ونعمل من أجلها وبين ان نحياها ونطبقها بكل ما اوتينا من ملكاتنا الروحية ، نتوخاها بإخلاص ونتثبتها بلا إعوجاج ولا نكوص ولا إذلال فيها .
ما اجمل ان نحيي قيمة الصدق بعينها في قلوبنا لا بألسننا ، حينها تشعر بأنك انسان.. فلطالما كتب عنها الكاتبون، وسار في ادراجها السائلون، وتناقلت بمآربها بضاعة الاخلاق بسفن الايام ، ولكن ... كيف لها أن تسلك بحرا أمواجه كالجبال الشاهقة بما صادفها من قلولنا: الكذب أنجي .. أو بإضراب افكارنا وبخداعنا لها بتكرارنا مقولةً الكذب حبله قصر.. فهل الصديق جداله اطول ؟؟
ربما لم نتغافل عنه بمحض الخطأ والنسيان بل هو الاصرار مع سابق التفكير الاعوج ، فلننظر الي ادراج السالكين علي ابوابه تبشروا بخيره المؤجل الي امدٍ بعيد فصبروا ونالوا وسعدوا بتلاحق الاحداث الخيّرة ، وإن كان في ظاهرها شرٌ مكين ، او انهم قد تبشروا بثماره الانية الوفية المعالم التي فيها تتلاشي الذلّات بطعمها الحلو الجميل . ))

وتابع الحكيم مخاطبا :
يا سارحا بالفكر والوصل مشغوف الهوي
تصبر فلعل الصبر فيه توخي كبردٍ مرهون

فالصدق في وكانته تتلمذ فصار فيه كشمسٍ
والبشرُ في شعابه اضحي فخرّت منه الظنون

جدال الصدق في الاحداث طويلةٌ فيا لها
من طرائقٍ تجول فيها الاخلاق بتمام مسكون

وإن سـاقتك شهـوةٌ للكذب فالرفـض فيه المرتجي
والسيّر في أذياله تتفاقم الارواح بدنوها المكتوم

نظر الحكيم للضيف حسام فرآه مستغرقٌ في تفكيره ثم تكلم حسام وقال :
- وكيف اكون صادقا مع نفسي يا حكيم؟
- قال الحكيم : عندما تلجم نزواتك وشهواتك برباط الاخلاق الحميدة ، حينها تكون قد صدقت مع نفسك ، ورأيتُك حقاً انسان ، وبغيرها تكون قد كذبت وكنت ما دون الحيوان .
فهلا صرت إنسان ...
انتهي
كتبه/ محمود
13/7/2010م

هناك تعليق واحد:

  1. بسم الله وبعد
    أشكرك أخي محمود على هذه القصة وما فيها من العبرة والعظة ، فنسأل الله عز وجل بأن نكون صادقين مع أنفسنا ومع الناس ونتخلق بالأخلاق الحسنة.
    بارك الله فيك وتحياتي لك
    أخوك في الله \ أبو مجاهد الرنتيسي

    ردحذف