الثلاثاء، 31 أغسطس 2010

لوحة


أرسلت البريد في رده المستعجل فتوقف ولاح به التمزت في تشنجٍ حسير ..
حاولت المرات تتلوها الثلاث ..
فما نالني فيها الا ضجراً قد لا أرغب فيه طور الإنفلات ..
اطعت سبل السكون مراتٍ حتي رأيتها قد راقت لي نفحاتها في نسجات الشدة ..
ولكني سرعان من انحسرتُ في وكناتها فيما تلاها فصرت فيها كالشارب لماءٍ يثور..

انهي الظلام خيط المثيب وألبس الارجاء سواداً يحبو في الاركان والثنايا حتي اصبحت الغرفة التي تحتويني كلوحةٍ رسمت بلونٍ أيلىٍ دون تمرسٍ لرسّامه او مهارة به تشتهر .
تحسستُ الجدران حتي اهتديت الي مفتاح النور ،أدرته في عجلٍ فلعله أحس بضائقتي فأراه مسعفا لي بشحنة تظفر بي في خلجات حاجتي الملحّة ، لكن الاماني ما فتأت بي الا كحالمٍ في الزمان الفقير.
هبت اريحية البشر في أقتاب سكناتي فاطلقت العنان لضحكات حسري أراها قد اخترقت جدران الصمت من حولي في أندفاع كبير، إجحظت العيون بخروجها وتبارزت العروق في تدفق الدم في مجاريها وتلاحق الانفاس تتابعا في انبوب الحياة ، حتي ارتطمت بأريكة وأُجلست حينها بغير داعٍ ، ثم خيّم السكون بصنينه الفاتر.
مددت اليدان نحو الاعلي لأطيش بلوحاتٍ تكونت في ارجاء فكري فأراها متجسدةً فتيّة في حداثتها، فتلك بلدة تعمر بساكنيها وتلك إمارة تزخر بمآقيها وتلك حقول وأودية وتلك هضاب مرتفعة ، ثم أزحت اللوحات بحركة من رأسي ، فتفاجأت بلوحة لطالما إنبرت في سراح روحي وظلت متحضرة بي كالقرط في أذن الفتاة لا يضُرها لطشٌ ولا حركات سائبة.

لوحة .. خيوطها تبدأ بالنحافة ثم يغلظّ فيها الرسم كأنها تحمل في احشائها شئ مكنون ، إن نظرتها فستراها تمتد من مفرق الرأس لكائنٍ حتي اخمص الاقدام نزولا حتي تدور في حركات دائرية متتابعة قوية ، ثم ينبري بها السكون في رجعة تالية فريدة ، تكرارٌ تحسبه في تتابعه كجديد الربيع منفتلا بمنظرٍ لا تخبوا فيه النفوس نزوحا الي حد الضجر الممل ، فالرأس لا يشبه الي أي حد تل الروؤس ، واقدامٌ كأنها مجاديف النور تتناقل الدفع تتابعا بلا فتور ولا مكوث ، اغمضت عيناي والمشهد ما زال مطبوعاً بتمائمه ،أغمضت عيناي فلعلي استقرأ ما لفّته الخيوط في احشائها فتلد مخبوئا لطالما حبسته في روانقها المطرزة بروح الكلام المنير .


تمخض الحال بتلك الخيوط فتتالت زفراتها فهزّت ببنان دثائرها الجذوع وتناظرَ المولود الحياة.
فجأة تحركت فيها شرنقته وحثي علي ركبتيه ثم اصلولب به الظهر فتفسّخ الجلد من بين الواح الاكتاف وبرزت اجنحة فطرّزت الظهر بمنظرٍ جميل .
تحركت اشجاني وتتابعت اركاني لذاك المنظر الفريد ، ثم اردفت للمولود الطائر بالسؤال في صمتي فقلت له: تحدث ..
فكان الرد حينها : ما مثلي ومثلك الا كما رأيتني البتتة حاضرا بتلاحق الفكر فيك ، حملتني امي ( الخيوط في أحشائها ) ثم خرجت متكوّرا ثم ما لبثت الا هنيّةً ثم تراني في طور الرحيل علي استعداد .
فكن مستعداً...
انتهي ..

محمود الراعي
31/8/2010

هناك تعليقان (2):

  1. السلام عليكم

    أسمح لي بأن أقول أن هذه الكلمات جميلة

    تملك لغة تغبط عليها ما شاء الله ..

    وترسم لوحة بها من ابدع اللوحات .

    دمت أخي بكل خير

    تحياتي ..

    ردحذف
  2. ما شاء الله أخي
    كلماتك لوحة بحد ذاتها
    دمت بخير

    ردحذف