الخميس، 5 أغسطس 2010

سمّها ما شئت (قصة قصيرة)


متربعٌ هو في صدر المبيت كالشمس تدور حولها الافلاك ، تحوّر الضجيج من حوله الي صمتٍ مطبقٍ فالكلام حينها لقصةٍ جديدة ، جلست سمية وهي تركن رأسها بكلتا يديها المتوكأتين فوق فخذيها ، جلست تنظر بشغفٍ ما تقتنصه عيونها من تعابير الجدِّ الكليم ، أرخت السمع وتباطأت في إلحاحها عن سؤالها، فذاك فارسٌ لا تضره وحوش الأيام ، وتلك حسناءٌ ساقت بعفتها اسراب الأخلاق فصارت عِبرةً لذوات الإلتزام ، اثقلت العيون بالجفون الساهرة ، وما انتصر سلطان النوم علي جيش اليقظة بعد .

نادت الام في أثيرها الساري ككل ليلةٍ فأنبلجت الوجوه الصغيرة متقمصةً بحزنٍ جديد ، فالقصة لم تكتمل احداثها .
توجهت نحو مخدعِها ولكنها ألقت بجسدها النحيلُ علي الكرسي و دارت تتحسس الاشياء في شوقها الذي ما تحرك فيه الحسّ الا بمحركٍ فريد ، فتلك ممحاةٌ وتلك محبرة قلم ،امسكتهما ثم صارت بهما طريق النزول ببطئٍ علي طاولةٍ كانت تجلس بجانبها فنور الشمع خافتٌ ، فما إنساب لمخدعها الا بقاياه في انعكاسٍ زهيد.

مدت يدها من جديد ، تتباحث في مفقودها ، تحسسته وما طال انتظارها ، عجبٌ.. قلم رصاص رأسه مكسور ، جالت اليد من جديد فلعلها تجد المبراة او ما يفي بالغرض حينها.. فلم تجد ، تناولت المحبرة بشمالها واضحت بيمينها تغمس به فيها وانكبت نحو الكتاب وخطّت بكلماتٍ مستفحلةٌ بحجمها كطلاسمٍ هي قد سرت بغموضها فلعل البعد يقرأ من دونته فيه أناملها فيصبح الاب الغائب فيه قريبا مسنود.

هنية حتي اسطاع النوم التسلل لقلاع اليقظة وسيطر علي ارجائها وإغتال فيها سويعاتٍ مرّت كأنها لحظاتٌ عابرة تحمل في أُشولها ذاك السؤال وذاك المحرك الفريد .
باغتتها ريح عصف قوية ، أتراها زحزحت اركانها الراسية في بحر لا يعرف النضوب؟ ، أم دارت بها في فضاء كنّه الركوع لماضي تليد ؟
ألقت ببصرها نحو العلي وتمسكت فيه بقولها ( لن تترائي بي الاحداث الا ما نسجته لنفسي ، فلرب ضائقة قد ألمت بي تكون في مخبوئتها خير كثير) .

مضي الليل الا اقله ولم يبقي من صفحة هذا الوجود الا اسطرا يوشك ان يمتد اليها لسان الصباح فيأتي عليها فيصح بخير النداء ، حينها تفتحت العيون في إطباقها علي زقزقة جميلة ، جلست تترائي سقف الغرفة وما تخلله من رسوم كفارسٍ وحسناء ، ثم نهضت ولاحت بكلامها للجد في حلِّ الصباح وإستقرت بجنب فسيحٍ واسع .

سألت الجد عن سر الحياة المؤرق للعيون وما تأتأت فيه أطناب الانام كعلقمٍ زؤوم ، فما استرسل في الرد الا بكلمات سُطرت بنبراته العتيقة حيث قال : الانسان جوهر الحياه ورونقها ، وسر السعيد فيها له قواعدٌ مثلي ، فالحياة رضا وصبر ، و قناعة وتفاؤل، وتسامح وتعاطف .
دارت الكلمات في فكرها فنظرتها كنجوم تتلألأ في ليلٍ زاد احللاكه ، ولكن الفجر فيه بشري بيوم جديد.
فالدافع لم يكن سبيلا لها الا لكون الفكر قد تربع في ارجاء تفكيرها فأضحت تنظر للحياه من زاويةً أخري ، زاويةٌ فيها اشراق ، زاويةٌ تتباحث فيها وتتجاذب بها الفرص، ثم حتما سنظرها في السنين كيف الغدو بها ... فلنترقب .
انتهي ..
محمود

هناك تعليق واحد:

  1. السلام عليكم
    شكرا على هذه الكلمات السمفونية التي ترقص عليها
    المشاعر والاحاسيس
    دام قلمك رقراقا يطير في عنان السماء

    ردحذف