الجمعة، 28 يناير 2011

البرقية..

"وصلتني برقية ، فيها من الوصف لي وللمدونة ما لا اجده حتي في كبار الكتّاب واشهر المواقع ، لذا ما ارتضيت الا وان اضع النقاط علي الحروف ، ليس الا من باب انزلوا الناس منازلهم الحقيقية ، وإن لا ارتضي الا بمنزلة فيها الحق يقال .. "

ثابَ إليه الرشد حيناً من الوقت في طي سطورها ، اطلّ برأسه من تلك النافذة الضيّقة بشباكِها ، نظر السماء في غيومها المُنفلِتة كريعِ الأغنام تتبعثر ، تسارع في الخروج من منزله ، فَوَقْعات الاقدام منه تَقْعَرُ أرضَ الفناءِ بصوتها المتغندِر، رمقته الامُّ في إثر الطقطقات بقولها: إلي اين يا ولدي انت ذاهب ؟ ..
في الطريق المتعرِّج بإنبساطه للمسجد توقف أحمدٌ وهو ينظر ، يداه تُطْمَس في جيوب السترة التي يرتديها، يظل بوقوفه السامد ينظر شفق الافق البعيدِ بالتفكير ليعتبر ، لحظاتُ الفجأة هالته بشهيقها ، فمن صدره المتفرّد بشجونه ، قد حسب الحين فيه ساعته كأنه بأنفاسه الخارجة يحتَضرُ دون تنبيه له او خبر .. تنهد ثم تنهد ، ثم تحدث لنفسه قائلاً :
"هي ذي البرقيّة وانا ذا انا فيها ، ولكني لأشك من اني لي الحقّ بِتَلقّيها ، فانا لست سوي كالحرف العابر ، لا ينْجلي بي العمر الا وأُدُثر دون جَمْعٍ فيّ او تشاور ، فأنا لست سوا كالحرف المُبْهَم في قحاف الذكري ، فإن رآني الناس قد فَطِنتُ الحرف ، فلا بدّ وأن ينشُروني بجمول الحسري ..
ولكني سأردُّ علي البرقية بكلامي القليل بعد رجوعي من قرّة الحياة .."
في صعوده المنزل ، من علي الطاولة ، في صحن البيت ، تناول شبه قلمٍ ، وبقايا أوراقٍ هناك ودفتر ، خطَّ السطر الاول بقوله : برقية برقية .. تابع في خطِّ الافكار فيها دون تجاملٍ ، فقال:
" برقية الكلام نطقت بسطورها ، بالنبر الساكت ، لا بالحرف المسموع ، المعاني في انبثاقِ نصوصها ترانيم صمتٍ خجلة ، الوجنات في مُتَلَقِّيْها تحْمرُّ بحُمرة الروح ، الأثرُ منها لا يُري إكتمالُ تمامه الا حينما يسري التمحيص له وضوحاً لظرف البيان .

وَقْعُها بالنفس له وقعٌ بالغ التأثير ، يستردُّ المتلّقِ الرد المخزون في قلبه بالتلعثم كالصغير ، يحتار بعفوية الكلمات بحثا للبوحه الصادق ، بِسَطْوتِها لم تدع للكلام السريع منه ان يمضي ، فكلامُه المنشود في قلبه لم يبِت في مرقده له ساعتها أي معني .

تابع الردّ بصفة الوصف للأخر عن نفسه فقال ..
لم يعي السطور بكنها الجميل الا بنورٍ من بين ثناياها وقد ظهر ، تعاهد فيها التكرار المتتابع مراتٍ تلو المرات ، سار بالامل النديم لها بقراءةٍ مسايرة الشوق في دربه للقمر، في مراتع انسامها الهابّة قد جلس ، تناول من حقبها جُمول الوصف والدرر ، زاد الاحمرار لروحه الكلمي متعللا ، تلعثم بالاخري متوقفاً ، متسائلاً ، هل انا ذاك؟ .."
توقف احمد ورد علي نفسه قائلا : لا يا صاحبي فأنا لست هو ولن اكون هو ذاك ..
إلي هنا .

انتهي
محمود..
4/1/2010م

هناك تعليق واحد: