الجمعة، 28 يناير 2011

ألحان الريح ..


عازفٌ هو في صوت الريح للسمعِ بتتره يَسرِي ، حازماً الجأش بصبره عند هبوبِ التغبّر في زفراتها المحسوسة ، تعانقت الحانُه في إندماج الأثير الطيب منها ، تجمّلت نبراتُه في سُرادق النفير عند مرورها الجميل ، مستعدةً ألحانه لتنقضّ نحو الاسماع المتسلطة عليها بإفتراس ، فمقام الطرش في آذان السمع يندثر عند الإنصاتِ لها بإنزواءٍ شامخ .
تحت الشجرة ، وارفة الظلِّ، قد إستظل في ظلها راعِ الغنمِ الصغير ، جلس وراق له فيها عبير النور ، فوق الصخرة تري أقدامه تربعت ، تراخت جفونَ اليقظة ، واغلقت ابوابها ثم تصلّبت ، فنضوج النوم المحبوس قد بنان في سكونه بتحُّررٍ مثمِر .
تمايلت الريح في ردائه بالتحريكِ المستمر ، ناحية السقوط السلِس بكل إنحدارٍ الصخرة قد سقط الرداء من علي جسده النحيل ، وعلي الأرض استقر ، وصار حينها الراعي لكشاف الوجود السرمدي كشمس الضحي.
تنبّه لدَّمْدَمَة (1) الريح متيقظاً ، ناحية اليمين واستدار بردائه في الخصر بتحزِّمٍ ، تلحّف علي تلك الصخرة وشدد في إلتحافه ، ولكن الريح في زفيرها ما ابقت للنوم الهاني فيه من مرسي .
في الريح ساعة الهبوب وقد انتظر ، ساعاتٍ مرّت ثم تنسّم فيها املاً لما هو فيه تواقٌ ينْظُر. ريحٌ طيبة.. .
مد يده وتناول من برقعه قيثارةً ، تبسم لقطيع الاغنام من حوله في نظراتٍ قد حاكت ضَحِكاتِ الأفق البرّاق ، توقف وتنهد وعيونه مغمضة ، قد إلتثم حينها شهيقا مترنِّحا بطوله ، ثم ترك العنان لروحه لتتغني بقصائدٍ نبراتها شوقٌ بنرٍ مكنون .

بجانب النهر القريب وقفت غزالة ، تسمع وتنظر بلهفةٍ ، توقفت في إثر القصائد التي غُنّت ، بالصمت المتأمل للألحان المتعانقة بسرورها تجمّلت ، تراءت الراعي متربعا ، فصوت الاثير رمقته بعيون السمع المتفحص .
توقف العزف لبرهةً ، تسابقت الغزالة في الريح للنهر قافزة ، تمتطي الخفّة في جريناها عكس الريح ، موحلةً هي في تياراته ، متقاربةً من تلك الصخرة بإندفاعٍ كبير ، تزاحمت مع قطيع الاغنام بهمةٍ ، حتي لا يضيغ منها النبر الوالع .

تتابع العزف ، ثم توقف من جديد ، سحنةٍ من الوقت ، اعتدل الصغير ، تناول من قارورته شربة ماء ، حام بنظره في بطحاء الافق الآيل للظلام متأملا ، تناظر الاغنام في قطيعها ، شاردةٌ احداها خلف الحمي المعهود ، تتبع في خُطاها المسير ، اناخ بصوته الرنين سمة الاتباع فيها ، تبِعَتْه دون أي رفضٍ منها او ثغاء (2) ، تعامد بظهره للصخرة متراجعا ، فالغزالة حينها بجمالها اضحت للراعي الصغير متباينةً جلية .
هبت في ارجاء ذاك المنظر ريح صمتٍ جميل ، اقتربت الغزالة ، واحنت برأسها ، بتحيةِ اللقاءِ و قالت:
روحٌ تتغني ..
بقصائدٍ فَحولها الشوقٌ المكنون ..
ارقطنا بشوقك يا ايها الذي شوقُه له اسباب ، والسبب يُذْكيه المصدر ، والناتج يبان في خلجات الروح عند فلتاتها ، فالروح بك الان تتغني ، فأثرِنا بالوصف بما انت فيه يا أيها الراعي الصغير.
قال الصغير:
أيتها الغزالة السائلة .. من على خاصرة الافق ، المتراقص ببهائه ، بالجمال ، وبكل مكامين الحسِّ وبمدلولاتها ، قد امسكتُ بما في ثغري من كلامٍ , وعقلته بقيثارتي التي يباين تترها كسلالم نحو القلوب ، فتمتزج في مرور الريح بصعودها ، فتصير الحانا فيها شوقٌ للغائب الطيب فتخرج الالحان يانعةً فيها كلمة .. نحبهم .

أيتها الغزلة الندية .. عندما يلوح في سمائك ريحُ خيرٌ مفدي ، يسعد فيه قبلك، وتنظرينه ببشر متفائل ، وكأن الدنا قد صارت ملكك ، فتسِيحين فيها مطمئنةً ، تتوقين بدوام الحال الذي انت فيه بإستمرار، في الصحب ، في وجودهم ، وعند يقين التلاقي هنالك ستبزع الشمس بإشراقها النديم
أفلال ينبت كل ذاك في روحك شوق له تترٌ عامر ؟؟

انتهت ..
محمود الراعي
24/12/2010م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق