الأحد، 13 يونيو 2010

اليتيمان

اليتيمان
(1)
عند زاوية الشارع سكن راغبٌ واخته سمية صاحبة الشعر الذهبي الجميل في بيتهما الصغير، فتكللا فيه بدفءِ اخوةٍ قد ضلا فيه طريقَ الحزنِ لبعض حين .
فما الايامُ الا ساعات، وما نسجتْه دقّاتُها إلا دروباً وملمّات ، تسيرُ وما للرجوع لها من طريق .
حلّقَ راغب بجناحيه في سماءِ سنينَ صِغره .. كيف الحنانُ به واصل ، أبٌ لا تعتريه نفحات ، وأمٌّ لا تُقاسيها أنّات ، هما كطائرين حلقا بعيداً بعيداً ، قد سافرا وأودعا طفلين في غابةٍ اسمها الحياة.
قد بلغ الفتي من العمر المديد ، وروحه تناطح الجُرم الرشيد ، لا يهابُ صِغار الأحداث ولا الوان القُفر، فلامّتُه في ناظريه قدْ هانت تاليةَ الحدثِ الاليم .
كلما غامرّ في ذكراه تفجّر قلبُه في ليلهِ حزيناً.. عساه لم يتذكر .
سيارة أقبلت من بعيد ، مسرعة
انتبه يا ابي قال راغب
فتمهل الاب بسيارته ... ولكن القدر سارَ بما ألم.
قد فاجعه بأمه نور قلبه وابيه صدق دربه، وغدا راغب وأخته سمية في الحياة يتيمين.


(2)
تكوّر راغب حول مدفئة المنزل علي سريره ومن خلفه جلست أخته سمية تتحري كتبها ليوم الغد.
لحظات حتي صاحت ترانيم النوم من راغبٍ في كلامه غيرَ المُسْمَع ، فأسرحت سميّة أُذُنيها في عُجالةٍ لعلها تستلقُ منه الخبر.
إنتظر .. لا لا ... أرجوك .. احتاجك .. (بكاء خفيف)..رحلت لماذا؟...صاح راغب وهو نائم.
فتعجبت من حاله وما تخلله في نومه من حديثه ثم صاحت به ونادته رغم يقينها بأنه في سباته مستغرق: اخي... مابالك ؟
ثم تقدمت نحوه بخطواتها بدبيبٍ كدبيب النمل لا تسمع له صوتاً ، ثم جلست حينها بقربه ورمقته بنظرات حانة، ومدت أناملها خلال شعره وسارت فيه حتي أحسّتْ ندْبةً في مفرِقِ رأسه وتذكرت الحدث الأليم.
فتنفستْ منها تنهيدةً علي ماضٍ عز فيه الفراقُ لأحبةٍ ، وإغرورقت العيون فسارت علي إثرها دمعات تتلوها أُخر، ثم تخلّفتْ دمعةٌ من علي خدها وأضلّتْ طريقاً شقَّه سيلٌ عارمٍ ، فهوتْ علي ثغرِ راغب فتنبه لحرِّها ، ولاح بعينه فرأي سمية تجفف ما كان بها من خطٍ شجته قطراتُ حزنٍ، فإعتدل في سريره وقال :

أمسينا والضحك مضي فالٌ بوجوهنا
فرأينا في أكفِّه للحياة طعمٌ آخر

تناقلنا صنوفَ الاخبار السارّة بقلوبنا
ثم نظرنا فالحال فيه منقلبٌ حالُه ساخر
- سمية ما الخبر؟
تبسمت حينها وإرتسمت لوحة السعد علي محياها ثم تلفّتت بوجهها نوح راغب وقالت:
لا تاخد علي بالك اخي لا شئ.
فأمسك بطرف بنانها وقال:
سألتك يا اختي سمية، ما الخبر ؟ ..فالحيرة تقتلني.. وبعد الاحباب يسقمني سألتك سمية ما الضرر؟
فارِعَةٌ هي بأنِينِها فالصوت يعلو بتدرُجٍ حتي أجهشتْ علي كتفيه بالبكاء ، وإسبلت فيه بقولها اريد ابي يا راغب اريد أمي ...
فإندمل الجرح القديم ، وبرقت في عينا راغب ما أخفاه عن اخته من زمنٍ بعيد .
لا تبكي يا راغب امام اختك فأنت رب البيت( محدثا نفسه ).


قالت سمية:
ما بال أحبةٍ طال الغياب بنورهم
سأحنو فيه لروحي بأملٍ ساري

قد جفّت عند شجونهم جلُّ مدامعي
وتكشفت فيه سائبةَ دروبي ومقالعي
اخي
لا تدعني عند الأحداث متهالكة الثري
وقلبي حائرٌ بغير قادٍ ولا هاني

أحسست فيك عند منامك بي تاركاً
وتوسدتُ حنانك عساه بي قلبٌ حاني

فقال راغب:
سألتُ روحك أجفّت بالنوم يوما
ففاضت من مآليك الدموع

فدارت رحى التذكار شوقـاً
تُكابـدهُ المحاجـرُ والضـلـوعُ

أري عينيكَ في عمـري ربيـعٌ
وإنكَ في يقيـنِ النفس والـروحِ

وإنكَ فـي ظِـلالِ سدٍ منيـع
فمـا للدهـرِ منـكَ بتردٍ سريع


تمـادى الحزن كالبُلهاءِ عُدنـا
فليس لنا المضـيُ ولا الرجـوعُ

بربـك هـل لنـا عودٌ بيومٍ
بمـا ولـىَّ وبرده كالصقيع

أختاه فأنت اغلي ما تبقي لي
فقولي للفراق دوما بعداً حسير

لن نفترق يوماً ما دامت ارواحنا في اجسادنا تسير
(( أُحـبــكِ))

كتب الإثنين 7/6/2010
محمود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق