الجمعة، 24 يونيو 2011

السد ..

ركب السيارة أنفا ، في الطريق بِجَرْيِها والعجلاتُ فيه انعتقت ، نظر .. وعلي يمينه انتشارُ محالٍ للعطورِ تبيع ، كمثلها ناحية الشمال محالٌ في تشابُهِهَا علي مرآةَ الوجود وتوائمت(1) الشروع ، اكملتِ السيارة به الدّورة في المسير ، أميالٌ حتي إستلقمتِ الطرقُ السيارةَ بِسدّ ٍ يَمْتَشِقُ في شهقانِه شبح الرجوع لها الموجع.

عادت السيارة به نحو الواراء قليلا .. من طَرْفٍ خفيٍّ ، قد رأي الراكب المحالَّ المفتوحةَ ولها نظر ، توقفت السيارة وسط الطريق به فجأةً ، فإذا الاركان بالراكبِ إنْتَغَصَت ، اطرق رأسه للأرض يهوي، وإنسلت يداه تَرْتَفِع لتمسك به ، واضحي كمن هو في الحال مفكّر.. ، قال حينها :
" لا اعرف أي الأسباب وضوحا للسيارة حيث كان يفي لها وأن تلوك وسط الطريق فاجعة التوقف ، ولا ادري أي السدود تلك التي كانت المفرق حتي يلج الرجوع فيها بذاك النكوص المتهتَّك ، فهل فرغت الخزّانات من وقودها ، أم إن الزمان قد ألمّ بالسيارة ما قد يخفيه لها القدر.. " .

من علي احدي النوافذ المطلّة في مجلسه ، ازاح الفاصل القاتم بينه والخارج ، شريط المحلّات المرتصّ المتلاصق في ناظريه الأن بالنظر يُشاهد ، للمحلّ الصغير قد إنبثقت منه نظرة المتأمل المتفحص، فتح الباب، نزل ادراجه . مشي في الطريق . شدّ من مشيته قليلا . وإستعجلته رائحة عطرٍ بخطاه كي يسرع .. قال حينها مخاطبا نفسه : ما اسم ذاك العطر يا تري ؟!.

الرأس للأمام ممدود ، والانف مفتوح الشرفات ، والسيل في ارجائه بالماء يجري .. ورغم كل ذاك فقد اصبح الانف الأن هو دليل الموقف . دخل أحمدٍ المحل ...

بعيونٍ مغمضة ، وخشمٌ ممشوقُ المد ، به الخطوات قد أسرعت ، نحو مصدر العطر ذاك ، تناول القارورة من الرّف القريب ، امسكها ، قلّبها ، ازل الغطاء عنها ، قد حِسبها بالعطر طافحةً ، وإذاها بالفراغ تمتلأ .
" أين العطر من القارورة يا عم ؟ " سأل أحمد البائع ...
- رد عليه : هي بالفراغ كذلك
- وإلام يشير الفراغ ؟
- عندما تصوغ ادراج الرجوع تجدُك شاراتُ الخبر

مضي في طريقه ، بعد ان اعطي البائع الثمن .. في بضّعِ الكلمات ، حيّاه مبتسما ثم مضي .. أمسك القارورة بكلتا يديه ، بقوةٍ ، كمن يستجوب مُتّهَمَاً كي يقرّ بفعلِه ، ولكن القارورة في عصرِها لم يتأت لها بالحديث وان بوح .
مشي الخطوات ، في سعيه الحثيث ، لِيُنْشِد الخبر .. في قطع الطريق ، رفع الرأس من جديد ، ناحية المحل المقابل في الطرف الآخر .. اقترب منه ، وإذا به قد تنبّه للرائحة نفسها ، فالرائحة به إخترقت الشمّ في نيعها الجاذب.

علي درجات الباب ، بعد قطع الطريق تري الاحمد وقد صعد.. دخل المحل وكم به التمنّي أن لو يجد العطر في القارورة يمتلأ .. تناولها ، وإذا هي بالعطر كذلك .

قال للبائع : ما اسم ذاك العطر يا عم ؟
- لك الحرية فيه
- ولكني بالإسم اسأل
- ولكني بالحقيقة لك اُذِيع
- عن أي حقيقةٍ تتحدث ؟
- هي لك فإكتشفها

قال الاحمد : " حيقيقةٌ وكذا الحقائق ما اضرها بي في البحث ، أفلا تنْضبُ الحقائق في وجودها ، أم ان البلاهة ما زالت تتجذرُ روحيَ التي هي في غربال الضجر وقد سأِمَتْ."

اخذ القارورة يحملها بين يديه . رجع ادراجه . في الطريق مشي من جديد . نظر المحال ونظرها . نظر القارورة الاولي ، وكذا بالاخري وقد زِيدت بالفتح . رش بعض ما فيها علي سفوح ثيابه . ضحك قليلا من فعله القادم ، سأل بصمته متيقنا الرد : ما بالك يا عطر ؟
- رد عليه العطر قائلا : يا هذا .. وماذا طلبت؟
- لن تكون المصباح في علائه ، ولا حتي الخاتم في حكَّه ، ولكني اسألُكَ السِرَّ لي وان تبوح .
- انا لست خِبْئَاً ولا سراً يواري ، ولا طعنات حرفٍ او ريشُ الكلام
- !!!! أنت من ؟
- انا من كنت اجري في اذنين الروح ، امرُّ في بُطَيْن النفس ، انكز صمام العقل للشك فيك وانا يقفل .
- ولكنك عطر !
- ولك فيّ الذكري
- في ماذا ؟
- في يقين الحصول
- لست افهمك
- هل رأيت السد فعلاً ؟
- وكأني رأيت
- وهلا تحسستَه
- لا
- وإلام جزمت الخبر
- في النظر
- وهل هو حقاً موجود
- لربما هو كذلك
- إذاً تشك ؟
- لربما
- في القارورة الاولي ماذا وجدت ؟
- الفراغ
- وكيف له إنجذبت؟
- بالرائحة التي احسست فيها شيئا يخُصّني
- إن القارورة التي تحتضنني الان هي القلب ، والعطر الذي انا فيها هو يقين الروح ، السد الذي رأيت في الطريق هو شبح الشك فيك ، ونضوب الوقود في السيارة من توابعه ، قد جُذِبت لي لانك بي هادف ، فاملأني حتي السداه ، ولا تَنْقُصي بشكك ابد الحياة ، وإلا .. ستري السدود في سيرك من جديد .

........................................
توائمت(1) : من التوأم المتشابه

9/2/2011
محمود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق