الجمعة، 18 مارس 2011

الطين ..


حلمٌ أري في خلجاته طين الارض اللدن والاقدام تغوصه حتي الاعقاب حافيةً دون أحذيةٍ غبية ، يتماسك الطين حول الاصابع حتي يشيخ الوقت فيه ويجف ، تتناوله كلتا يداي بالفرك دون الجريان الساري للماء ، للارض يسقط كبقايا الرمل وفي ثناياها أراه وإذا به يتناثر . " فكما كان هو منها فإليها الرجوع.. " قال صوت الحال قبل أن استيقظ من ذاك الحلم .

التل في انحداره الحاد لنزولي قد هام بي الاسراع .الحقول في يناعها الأن بالجمال أخضرّت . لضمّة الأزهار في الحقل القريب جلست متكأً كالطفل الولهان بِلُعبه ، في حِجر تلك الأزهار صرت ارُوغ فيه بفكري وأدندن ، في رجفات الصوت الأخّاذ للخبوِّ في حدته قلت متغنياً: " ليت همي يا ربيعي .. كالخوالي لعبتي .." وإذاني بسبات النوم أستغرق من جديد .

علي الارض بجسدي تحت شجر العنّاب كنت حينها المنطرح . عيناي تفتحتا لتلك الريحٍ التي في مرورها بي وقد شدّت . من سباتيَ المنزوع صرت في هبوبها المستيقظ المتأفف. الرمل يتناثر فوق الصدر بي وكذا الرأس . العينان اضحتا كحمرة الدم في لونه الثاغر . للماء الذي يبعد قدر الباعين قد انشدتُ الغسل لوجهي ، وكذا رمت بالريق له السُّقا. تذكرت الطين في منامي وأنا في قِرْبَة الماء ساهم ، تذكرت كلمات الحلم الذي كانت فيه سمعي تردد .. " فكما كان هو منها فإليها الرجوع .." . فإلي ماذا تدلل الكلمات يا تري ؟! .. متعجبا قلت لنفسي محدثا لها ..

ارجعت قِرْبَة الماء في مكانها حيث كانت ، شربت من بطنها ما كان لي يفي بردِّ العطش ، اسْكبتُ قليلها علي وجهي لكي أزيح التراب المنتشر ، جلست حيث كنت في مكاني متعودا لأنام . قد غلبني النعاس في جديده وصال بي الحلم في تكراره المتشابه والنوم فيّ قد جال ...

وكأني في ارضٍ كنتُ انشوها بِسِحَنِ الخيال ، الجبال في تناطح الغيوم لها منظرٌ يأسر، السفوح تتعاكس عند رؤياها في ضوء الشمس وكأنها اللؤلؤ الفاخر ، مشيت الخطوات للأمام نحو البيت الذي رأيتُه بالنظر قريب ، نظرت قدماي فإذاهما قد غاصتا في وحول الطين دون زوج الحذاء ، طرقت الباب عند وصولي بالطرق الخفيف من ذاك البيت ، من داخله ردت عليّ بنتٌ بقولها : ابي ليس هاهنا موجود ، فعد عند الغروب فحينها من شغله يكون هو قد رجع ..
قلت لها : فله التحية والسلام .. ولكني انشد الماء في قليله .. فالطريق اصابتني بِطينها ، والعطش كذا الامر قد لاح بي كل مأخذ ..
قالت لي: إذن فإنتظر
لحظاتٌ حتي رأيت القِرْبَة نفسها من شِقِّ الباب المفتوح لي تُمد ، امسكت القربة وعلي جذعٍ قريب جلست للشرب وغسل قدماي . نظرتهما وإذا بالطين فجأةً يتكرمش حول الاصابع ويجف ، مددت يداي لكشط الطين ، كحبات الرمل اراه وهو نحو الأرض يهوي ويتناثر . وإذا بصوتٍ من بعيدٍ قد صدح بسمعي وقال :

الشمس في شفق الغروب للمغيب قد أذّنت . الطير للأعشاش في رَواحها بالحواصل وأمتلأت ، قد سئِمتَ السؤال يا هذا في سؤالك الضاني ، وإني الان محدثك حديثا مقتضبا فلي وأستمع ..
تتبدّا البدايات كل يومٍ الي حَتفِها ، وتتمطي النهايات في بدئِها الي السكون والإندثار ، فإن كان فيها التكرار فغداً هو شبيه الأمس ، ولا بد للغد القادم كسابقه في الحال وأن يندثر ، الحياة في صورها المتكررة هي تلك ، فكما كنت انت من تلك الأرض فلست الا ولها سترجع ، وعليه قس المطلوب من ساعاتك ، وما انت في حياتك ستفعل ..

انتهي ..
محمود
6/3/2011

هناك تعليقان (2):

  1. مباااااااااااارك
    وعود أحمد وبإذن الله نشهد مزيد من التألق والريادة في صياغة الحرف.

    ردحذف
  2. دام قلمك يجود بشهد من السطور فهو مازال بخير وأنت كذلك مازلت بخير

    أدام الله الخير لك وضاعفه

    تقبل مروري

    ردحذف