الأربعاء، 2 مارس 2011

حظر التجوال ..


من علي تخوم الشارع البائس في الليل الشديد بظلمته ، قرب مدخل الحي ، وبعد تدلي الانوار من اسقف المصابيح تلك التي علي السيقان المنصوبة ، عند مجيئ الكهرباء في كل مساء .. تتفتح أبواب البيوت كلها بما فيها بيت البنت هناء ، بالصمت الصاخب حيث كان الشارع قبل الثامنة يطفح بسكونه الا من حفيف هواءٍ بالصوت يَشُب ، أعناق الجيران لاحت الشارع تنظره بعيونٍ ملؤها الحذر ، الكل يرمق الساعة كي يفوز من ذاك المخبز في الشارع الثاني بحفنات الخبز ، تتهامس أصوات الناس المستعدة للخروج عند رفع الحظر المعهود بقولها : "خلف المتاريس ككل المرات هناك يتمرتس الجنود ، ومن يخرج عن طور الثامنة في ذهابه يتلقفه الرصاص في سكونه الصنديد " ..

الضوء في المصابيح المعلقة عند الثامنة بدي بالنور الخافت الان يبعث ، البنت تنظر الطريق المضاء امام بيتها بكل الترقّب ، تتسائل عن فعلها المتشابه عندما تخرج كل يوم لجلب الخبز لاخوتها : "بالحذر! .. لماذا يا نفس نحن فيه نبالغ؟ .." ولا يُجيبها الا تذكُر صورة اخيها عندما أتاه الموت في اختراق الرصاص لرأسه ، سقط بجثته وكان حينها هو الهامد.

تخاطر قلب الام في يومها ناحية البنت بالمجهول الموارب ، اخذت البنت تستعد لمشورٍ غير جلبها الخبز لإخوتها الجياع ، ساعة الإسراع باقدامها بالسير قد دقت .. قالت الام لها وهي تحدثها :
" إذهبي يا بنيّتي دون الوصية فإني لك بالنطر اتحسس" ..

نظرات البنت لأمها من طرفها المداري بالشوق تنظرها بإحتفاء ، بريق العينين فيها افصح عن فعلٍ كانت بالسر علي الدوام تخفيه ، تقاذفتْ للباب تفتحه الآن بالحذر البسيط ، في الريح العاصف ترامت بأقدامها وهي فيه تجري ، الطين المائع في أرض الشارع بدي يحْسُر من مشيتها وهي فيه القصواء ، تمشي البنت خطواتها ثم تتحسس خاصرتها في ذاك الشئ البارز !



من الجنود تقترب وهي تمعن فيهم الاقتراب ، تري اخيها المتوسد بُسُط المقبرة خلف المتراس الاول يلوّح لها باليد ويشير ، تتسارع في خطواتها اسرع فأسرع ، تقترب من الجنود وهم في غيهم السابر ساهمون ، تصايح الجيران الناظرين لها محذرين : من ذاك الشارع طريق المخبز فاحذري يا اخت الشهيد ، تتسارع البنت في وجهتِها وهي فيها تتسارع ، لم يبقي الا بعض الامتار كي تصل جموع الجنود ، تتسارع البنت في عَدْوِها الجاري وهي فيه بالجري الأنجع .. لم يبقي الا انصاف المتر لمُنَاها الآمِرُ التليد ، تتسارع البنت في الارض الزكية وهي فيها بالحضن تتخضب بدمائها وتتأبط ، فالرصاص البغي ما كان ليخطأها ، بعد ان اقتصت من ثُلث الجنود ... والام ما زالت بعودتها تنتظر ...
انتهت ..
22/2/2011
محمود الراعي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق