
حلمٌ أري في خلجاته طين الارض اللدن والاقدام تغوصه حتي الاعقاب حافيةً دون أحذيةٍ غبية ، يتماسك الطين حول الاصابع حتي يشيخ الوقت فيه ويجف ، تتناوله كلتا يداي بالفرك دون الجريان الساري للماء ، للارض يسقط كبقايا الرمل وفي ثناياها أراه وإذا به يتناثر . " فكما كان هو منها فإليها الرجوع.. " قال صوت الحال قبل أن استيقظ من ذاك الحلم .
التل في انحداره الحاد لنزولي قد هام بي الاسراع .الحقول في يناعها الأن بالجمال أخضرّت . لضمّة الأزهار في الحقل القريب جلست متكأً كالطفل الولهان بِلُعبه ، في حِجر تلك الأزهار صرت ارُوغ فيه بفكري وأدندن ، في رجفات الصوت الأخّاذ للخبوِّ في حدته قلت متغنياً: " ليت همي يا ربيعي .. كالخوالي لعبتي .." وإذاني بسبات النوم أستغرق من جديد .
علي الارض بجسدي تحت شجر العنّاب كنت حينها المنطرح . عيناي تفتحتا لتلك الريحٍ التي في مرورها بي وقد شدّت . من سباتيَ المنزوع صرت في هبوبها المستيقظ المتأفف. الرمل يتناثر فوق الصدر بي وكذا الرأس . العينان اضحتا كحمرة الدم في لونه الثاغر . للماء الذي يبعد قدر الباعين قد انشدتُ الغسل لوجهي ، وكذا رمت بالريق له السُّقا. تذكرت الطين في منامي وأنا في قِرْبَة الماء ساهم ، تذكرت كلمات الحلم الذي كانت فيه سمعي تردد .. " فكما كان هو منها فإليها الرجوع .." . فإلي ماذا تدلل الكلمات يا تري ؟! .. متعجبا قلت لنفسي محدثا لها ..
ارجعت قِرْبَة الماء في مكانها حيث كانت ، شربت من بطنها ما كان لي يفي بردِّ العطش ، اسْكبتُ قليلها علي وجهي لكي أزيح التراب المنتشر ، جلست حيث كنت في مكاني متعودا لأنام . قد غلبني النعاس في جديده وصال بي الحلم في تكراره المتشابه والنوم فيّ قد جال ...
وكأني في ارضٍ كنتُ انشوها بِسِحَنِ الخيال ، الجبال في تناطح الغيوم لها منظرٌ يأسر، السفوح تتعاكس عند رؤياها في ضوء الشمس وكأنها اللؤلؤ الفاخر ، مشيت الخطوات للأمام نحو البيت الذي رأيتُه بالنظر قريب ، نظرت قدماي فإذاهما قد غاصتا في وحول الطين دون زوج الحذاء ، طرقت الباب عند وصولي بالطرق الخفيف من ذاك البيت ، من داخله ردت عليّ بنتٌ بقولها : ابي ليس هاهنا موجود ، فعد عند الغروب فحينها من شغله يكون هو قد رجع ..
قلت لها : فله التحية والسلام .. ولكني انشد الماء في قليله .. فالطريق اصابتني بِطينها ، والعطش كذا الامر قد لاح بي كل مأخذ ..
قالت لي: إذن فإنتظر
لحظاتٌ حتي رأيت القِرْبَة نفسها من شِقِّ الباب المفتوح لي تُمد ، امسكت القربة وعلي جذعٍ قريب جلست للشرب وغسل قدماي . نظرتهما وإذا بالطين فجأةً يتكرمش حول الاصابع ويجف ، مددت يداي لكشط الطين ، كحبات الرمل اراه وهو نحو الأرض يهوي ويتناثر . وإذا بصوتٍ من بعيدٍ قد صدح بسمعي وقال :
الشمس في شفق الغروب للمغيب قد أذّنت . الطير للأعشاش في رَواحها بالحواصل وأمتلأت ، قد سئِمتَ السؤال يا هذا في سؤالك الضاني ، وإني الان محدثك حديثا مقتضبا فلي وأستمع ..
تتبدّا البدايات كل يومٍ الي حَتفِها ، وتتمطي النهايات في بدئِها الي السكون والإندثار ، فإن كان فيها التكرار فغداً هو شبيه الأمس ، ولا بد للغد القادم كسابقه في الحال وأن يندثر ، الحياة في صورها المتكررة هي تلك ، فكما كنت انت من تلك الأرض فلست الا ولها سترجع ، وعليه قس المطلوب من ساعاتك ، وما انت في حياتك ستفعل ..
انتهي ..
محمود
6/3/2011