الاثنين، 28 فبراير 2011

الاول من شباط ..


في اخر الربع الاول من تلك الساعة ، في اجتماع العقارب فوق بعضها ، عند صياح الديكة ، في أسجية بَدْءِ النور ، قد حمل النوم إزار فلوله واستعد وغادر الوجدان بي ، وفي قصير السفر قد رحل .
علي جفون اللحظات في مُضَّيها ، توقف النوم هنية الوقت ، مشي الخطوات يَعْدُوها الوراء ، برأسه تلفّت للتثائب كي يرافقه ، قد رافقه التثائبُ حينها بكل التسليم ، نظر لي ونظرتُه ، مدّ قدماه للخلف رجوعا ، وفي ثغره أري الكلمات الحرّي فكأنهُ يريد بها لي أن تصل .. نظرتُه وناظرني ، فإذا به قد اوعز للسمع بي حد الانصات في تهذيب القول لديه وما تراني الا أنصت ، قال لي : هل لي بكلمة ؟
قلت له: بالطبع .
قال : في الغد القريب لك مني نصيحةٌ ، ونفسُك تعرفها .. سكت النوم حينها ، وعلي صهوة التثائب تقادم بركُوبِه ، وفي مُضِيَّ الطريق تأبط السير لجاماً لصهوته ثم مضي ..
نصيحة ؟! ... ما هي وما هو مردُّها؟! ... قلت لنفسي متعجبا متسائل .

وإذا بفحولة الاستيقاظ كالعادة تنتابني ، تصاخبتْ دقات العقارب في نخرها جذوع الاسماع بي ، تملّلت برأسي ناحية اليمين علي تلك الوسادة الزقاء ، حرّكتُ يدي ، وضعتها علي الاذنِ التي كانت مكشوفةً لفضاء السمع ، فالساعة لا يفصلها عن مفرق الرأس بي الا إرتفاعُ المتر الواحد.
إستيقظت من دائره الصمت السائد ، خرجت منها ، ادرت مفتاح الكلام في رديَ علي الام حينما نادتني في قولها: ان تحضّر.
علي حافة السرير ، قرب تلك النافذة المطلّة علي ذاك الليل الشارف في انتهائه ، قد جلست .. حرّكتُ جفوني برفقٍ نحو الاعلي ، اسْبلْتُ ارتعاش شفتاي نحو الصمت الهامس في ذاك القلب ، كررتُ في اثره سؤالاً لطالما بقي في حائط المجهول لدي معلّق ، قلت حينها:
لماذا يقصر الليل في طوله وانا ما زلت فيه كالنوق العطشي ، قد أُنِيْخ سَيْرِي قرب البئر الممتلأ بماء النوم الهاني ، ولكني ما إنْ اصله الا و يراني الناظر قد ربتُّ علي مرمي جلوسي وبالكأس الذي هو في يداي أحتسي النوم ثم اسكبه علي تراب السهر لدي ، فسهري قد رأيته كالنبات النابت ، في سيقانه ثمرا يحوي فيه شرابٌ حلو المذاق ، قد أدماني بشربِه فعشِقته دون ارادة بالرُشد تحويني ، والوقت يجري بي مجري العدّاء في تسارعه الطويل .
تنبّهت للساعة ورأيتُها ، فإذا بها فكأنها في جريها كفلول الشارد يجري ورائه اسدُ الوقت المفترس ، تحيّرت بها وما فيها ، رفعت جسدي واسندتُ رأسي علي ذاك الحائط .. قلت : كيف استيقظ وانا في اسفار النوم ما زلت عطشان؟ .. احقا أنا قد نمت ؟ ..
ما تلك الساعة وما هي مكنكة الوقت الذي تحسبها ، اهي حقا بالحسبان كذلك ام انها في جريها والوقت في عمري يمضي بلا استراحة محارب ، ما الوقت وكيف يمضي وما هي اركانه يا نفْسي ؟ .
ادرت مفتاح الذاكرة في رأسي ، رتّبتُ جَمّة اعمالٍ في السير المخطط لها ، رتابة الامور العادية لم تعد بي الان تنفع ، ادرْتُ دائرة البحث في وجداني ، فلعلي اجد قسطا من اسهم الوقت في فعلٍ يمكن ان يعدّه النومُ القادم غريب .
سأبيع قسطا من ذاك الوقت .. نعم سأبيع ...
نزلت سوق البخاسة ، جلست واجسلت قطعا من ذاك الوقت علي بسطةٍ شملاء ، رأيت في وكناته المزويّة من يبيع الاوقات بأباخس الاثمان ، ومن يشريه بِحِفنات نقودٍ صدئة .
في وهلة الامور في تفقّدي ذاك السوق ، وإذا برجلٌ كبير الهرم جائني ، قال لي : بكم حزمة الوقت تلك يا فتي؟
قلت : بألف .
قال : وهل لي ان اشتريه بألفان .
قلت له : زيادة الخير خيرين .
تناولَ الكهل الحزم ومضي في الطريق ثم اختفي في بيارق النظر المعهود ..
جائتني بعد حين النظرات طفلة ، في حداثة سنها تلبس معطفا في وصفه بالاحمر الطويل ، قالت لي : بكم هذا يا عم ؟
قلت لها : وكم تدفعين ؟
قالت : انت صاحبه ولك كلمة الفصل .
قلت : بنصف السعر الذي اشتري به الكبير .
قالت : وبكم اشتراه الكبير ؟
قلت : بألفان .
قالت : ولك مني الثلاث .
تعجبت من فعلها وما ساقته لي من إمارات التروّي في بيعي ، وفي الطريق مضت ثم اختفت .
قد مضي الوقت الساري في جلوسي ، تقاربت شمس النفوس في احتمالها فضاء الجلوس ثم غروبت، وقفت علي مصطبة العدّ ، صرت فيه اعدّ ثمن ربحي ، نظرت البسطة التي امامي ، فهالني النظر اليها وهي مفروغة الحزم من ذاك الذي كان يسميه الناس (بالثمين) .
نظرت البسطة ثم تابعت النظر فيها ، فجأة .. فكأني صرت اقلّب الاكف في حيني متحسّرا ، قلت : ليتني لم ابع ، فلربما ربحي هو الوهم المجزوم وهو كذلك .
رجعت البيت واستلقيت علي سريري فقد حان النوم في ميعاده المكتوب ، قد جاء النوم وهو يمتطي صهوة التثائب حينها من جديد ، قال لي مستفتِحا : ماذا فعلت يا فتي ..

قلت له : قد فاتني قول السيف .
قال لي : وهل فطِنته ؟
قلت جازما : لربما
قال : كيف ؟
قلت : قد قطعني المرة ، وفي الاخري سأقطعه
قال لي : وهل حقا فيك له القطع ؟
قلت : سأقطعه تلو المرات .
قال : وكيف ؟
قلت : لن يخدعني السهر تلو الاخري .
قال النوم لي حينها : قد عرفت النصيحة يا فتي .. ولها فألزم
.. ليتني


انتهت
1/2/2022

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق