الاثنين، 28 فبراير 2011

في المساء وبعد الحلول ..


بداية ..
في مقهي المساء دائما .. عندما أكون ونفسي وحيد .. قد يحثني شيطان الكتابة كي اكتب ، أرتشف الحروف من فناجين الذكري .. في عمر سيجارةٍ أتابع فيه الرشف المتتالي .. أنظر سماء عيناي علي مرآة الصحف التي امامي.. ملبدةٌ كغيوم الشتاء أراها .. أتوقف وصمت السكون دون الرشف يشحذني .. اظل علي الكرسي متسمرا ، وطاولة المساء من أمامي فجأةً أراها وهي ترفع .. ارمق الفعل في سببه متعجبا، فإذا النور في وقوده قد انقطع..


قبل الحلول ..
تتتابعت الساعات في مضيّها والظلام في الارجاء متجذّر .. سري الضوء فجأة الوهلة في المصباح الذي هو في المشكاة المكسورة .. بالنور الخافت وإرتسمت الشقوق في الحائط المقابل في أنظاري بتمامها .. تواري الضوء بإنطفائه بعد بزوغه قليل الوقت .. همهمتُ بالصوت الهامس متذمرا من رجوع الظلام الدامس .. دققت نظري في ساعتي علي ضوء الشمع الذي تكاسلت حتي في اطفائه ، قلت لنفسي: إذاً فالفجر في حلوله اقترب ..


في الحلول ..
عيون تستيقظ وهي شبعاءُ النوم بطراءٌ ثملة .. وعيون أخري لم تتكحل من الليل الا بحفنة غفوات تتصف هي بزهدها بالخجل .. الاولي تجزُر النور المداعب لجفونها في رشحات الشمس بتأففٍ وإزدراء ..
والاخري في تتداخل الفجر القريب للدنا تراها ترومه بسعدٍ ملؤه بِشرٌ وارتضاء ..
صاح طائر الفجر بي قائلاً : " النوم تاج لا يراه الا المُجبرين علي السهر " ..


بعد الحلول..
أستريح في ضحي السابعة علي السرير .. أشرب الشاي بعد وسواسٍ يتصف بالثقيل ..أسكب الكوب في دراق البطن فيّ سكبا .. يُدَقُ باب غرفتي بخفةِ اليد التي قد ألفت منها الدق ، يفتح الباب بعد إذن الفتح للطارق مني..
" قد حانت ساعة العمل يا بني .. فقم ".. قالت لي امي ..


بعد بعد الحلول..
يوم طويل .. وانقضي اليوم .. في تنفيذ نقاطٍ كانت في نوتتي الزرقاء بالقلم مخطوطة .. ينقضي يوميَ في رتابة الحياة الا من عجرفة أمرٍ طارئ .. قال الامر الطارئ: قد إستعذت من شياطينِ الكتابةِ قد ان ادخل ..
قلت له : ومالي ولك ؟
- لن تجلس في مقهاك اليوم
- ولماذا يا فصيح الصوت
- لان الشيطان بإستيعاذي آبي الا وأن يغادر
- فليغاد إذن .. وما هو دخلي ؟
- لن تشرب القهوة بدونه
- بل سأشرب
- وماذا حينها الشرب يكون ودونه الساقي
- سأشرب الذرفات
ضحك الأمر الطارئ وقال : ذرفات ماذا؟ .. ومن من ؟!
- من بكاء الليل في ظلماته .. افلم تراه حينا وهو يبكي ؟!!!
- لا .. وكيف فيه البكاء ؟
- إذاً .. فجالسني لأريك كيف هو ..
- وإذا لم يبكي الليل يا فتي ؟
- حينها تكفَّ عن مضايقةِ شيطاني ..

و لم يبكي الليل ..
..
26/2/2011
محمود الراعي




الاول من شباط ..


في اخر الربع الاول من تلك الساعة ، في اجتماع العقارب فوق بعضها ، عند صياح الديكة ، في أسجية بَدْءِ النور ، قد حمل النوم إزار فلوله واستعد وغادر الوجدان بي ، وفي قصير السفر قد رحل .
علي جفون اللحظات في مُضَّيها ، توقف النوم هنية الوقت ، مشي الخطوات يَعْدُوها الوراء ، برأسه تلفّت للتثائب كي يرافقه ، قد رافقه التثائبُ حينها بكل التسليم ، نظر لي ونظرتُه ، مدّ قدماه للخلف رجوعا ، وفي ثغره أري الكلمات الحرّي فكأنهُ يريد بها لي أن تصل .. نظرتُه وناظرني ، فإذا به قد اوعز للسمع بي حد الانصات في تهذيب القول لديه وما تراني الا أنصت ، قال لي : هل لي بكلمة ؟
قلت له: بالطبع .
قال : في الغد القريب لك مني نصيحةٌ ، ونفسُك تعرفها .. سكت النوم حينها ، وعلي صهوة التثائب تقادم بركُوبِه ، وفي مُضِيَّ الطريق تأبط السير لجاماً لصهوته ثم مضي ..
نصيحة ؟! ... ما هي وما هو مردُّها؟! ... قلت لنفسي متعجبا متسائل .

وإذا بفحولة الاستيقاظ كالعادة تنتابني ، تصاخبتْ دقات العقارب في نخرها جذوع الاسماع بي ، تملّلت برأسي ناحية اليمين علي تلك الوسادة الزقاء ، حرّكتُ يدي ، وضعتها علي الاذنِ التي كانت مكشوفةً لفضاء السمع ، فالساعة لا يفصلها عن مفرق الرأس بي الا إرتفاعُ المتر الواحد.
إستيقظت من دائره الصمت السائد ، خرجت منها ، ادرت مفتاح الكلام في رديَ علي الام حينما نادتني في قولها: ان تحضّر.
علي حافة السرير ، قرب تلك النافذة المطلّة علي ذاك الليل الشارف في انتهائه ، قد جلست .. حرّكتُ جفوني برفقٍ نحو الاعلي ، اسْبلْتُ ارتعاش شفتاي نحو الصمت الهامس في ذاك القلب ، كررتُ في اثره سؤالاً لطالما بقي في حائط المجهول لدي معلّق ، قلت حينها:
لماذا يقصر الليل في طوله وانا ما زلت فيه كالنوق العطشي ، قد أُنِيْخ سَيْرِي قرب البئر الممتلأ بماء النوم الهاني ، ولكني ما إنْ اصله الا و يراني الناظر قد ربتُّ علي مرمي جلوسي وبالكأس الذي هو في يداي أحتسي النوم ثم اسكبه علي تراب السهر لدي ، فسهري قد رأيته كالنبات النابت ، في سيقانه ثمرا يحوي فيه شرابٌ حلو المذاق ، قد أدماني بشربِه فعشِقته دون ارادة بالرُشد تحويني ، والوقت يجري بي مجري العدّاء في تسارعه الطويل .
تنبّهت للساعة ورأيتُها ، فإذا بها فكأنها في جريها كفلول الشارد يجري ورائه اسدُ الوقت المفترس ، تحيّرت بها وما فيها ، رفعت جسدي واسندتُ رأسي علي ذاك الحائط .. قلت : كيف استيقظ وانا في اسفار النوم ما زلت عطشان؟ .. احقا أنا قد نمت ؟ ..
ما تلك الساعة وما هي مكنكة الوقت الذي تحسبها ، اهي حقا بالحسبان كذلك ام انها في جريها والوقت في عمري يمضي بلا استراحة محارب ، ما الوقت وكيف يمضي وما هي اركانه يا نفْسي ؟ .
ادرت مفتاح الذاكرة في رأسي ، رتّبتُ جَمّة اعمالٍ في السير المخطط لها ، رتابة الامور العادية لم تعد بي الان تنفع ، ادرْتُ دائرة البحث في وجداني ، فلعلي اجد قسطا من اسهم الوقت في فعلٍ يمكن ان يعدّه النومُ القادم غريب .
سأبيع قسطا من ذاك الوقت .. نعم سأبيع ...
نزلت سوق البخاسة ، جلست واجسلت قطعا من ذاك الوقت علي بسطةٍ شملاء ، رأيت في وكناته المزويّة من يبيع الاوقات بأباخس الاثمان ، ومن يشريه بِحِفنات نقودٍ صدئة .
في وهلة الامور في تفقّدي ذاك السوق ، وإذا برجلٌ كبير الهرم جائني ، قال لي : بكم حزمة الوقت تلك يا فتي؟
قلت : بألف .
قال : وهل لي ان اشتريه بألفان .
قلت له : زيادة الخير خيرين .
تناولَ الكهل الحزم ومضي في الطريق ثم اختفي في بيارق النظر المعهود ..
جائتني بعد حين النظرات طفلة ، في حداثة سنها تلبس معطفا في وصفه بالاحمر الطويل ، قالت لي : بكم هذا يا عم ؟
قلت لها : وكم تدفعين ؟
قالت : انت صاحبه ولك كلمة الفصل .
قلت : بنصف السعر الذي اشتري به الكبير .
قالت : وبكم اشتراه الكبير ؟
قلت : بألفان .
قالت : ولك مني الثلاث .
تعجبت من فعلها وما ساقته لي من إمارات التروّي في بيعي ، وفي الطريق مضت ثم اختفت .
قد مضي الوقت الساري في جلوسي ، تقاربت شمس النفوس في احتمالها فضاء الجلوس ثم غروبت، وقفت علي مصطبة العدّ ، صرت فيه اعدّ ثمن ربحي ، نظرت البسطة التي امامي ، فهالني النظر اليها وهي مفروغة الحزم من ذاك الذي كان يسميه الناس (بالثمين) .
نظرت البسطة ثم تابعت النظر فيها ، فجأة .. فكأني صرت اقلّب الاكف في حيني متحسّرا ، قلت : ليتني لم ابع ، فلربما ربحي هو الوهم المجزوم وهو كذلك .
رجعت البيت واستلقيت علي سريري فقد حان النوم في ميعاده المكتوب ، قد جاء النوم وهو يمتطي صهوة التثائب حينها من جديد ، قال لي مستفتِحا : ماذا فعلت يا فتي ..

قلت له : قد فاتني قول السيف .
قال لي : وهل فطِنته ؟
قلت جازما : لربما
قال : كيف ؟
قلت : قد قطعني المرة ، وفي الاخري سأقطعه
قال لي : وهل حقا فيك له القطع ؟
قلت : سأقطعه تلو المرات .
قال : وكيف ؟
قلت : لن يخدعني السهر تلو الاخري .
قال النوم لي حينها : قد عرفت النصيحة يا فتي .. ولها فألزم
.. ليتني


انتهت
1/2/2022

الثلاثاء، 22 فبراير 2011

حديقة الباب ..


قد قُدِّر للباب في إشتداد الحاجات علي مصراعيه وأن يفتح ، لسان القفل بكثير الشد فيه قد انحني ، داخله ليس كمن هو بَعْدُ لم يعبُر ، من دخله فهيهات بطول الخروج له وان يصبر ، مناطيد الجلوس تراها في الارجاء منصوبة ، انواع الموائد بلذائذها تتوسط الحلقات المنشورة ، تداركتها القلوب التي هي في سلاسل الايام بَكّآئة ، وتناستها القلوب التي تاهت بتتابع الغيّ الذي هو في النفوس مقدوح .

قد طُرق الباب وإشتدّ في طَرْقِه لَحُوحُ الطرق ، دبيبُ الاصوات في الآذان من بين الرزّات للباب قد سُمعت ، آناتٌ تتلوها نحيب العبرات ، عَبَرَاتٌ تُنْشِيْها حفيف فيضَ تراتيل القولِ المأثور، .." سأطرقُ الباب متأملاً فيه الخير ، فمَنْ دَقَّ الباب فقد ولج ، ولن يسبقني في الموائدِ تلك مرةً اخري فيها احد " .. قال الفتي ذات يوم في سِنّه الفائت ...

قدمٌ في داخلها ، وساقٌ علي بُعدِ بوصاتٍ في ولوج الباب ، خطوات الرائي المتردد لثناياها قد يهُول في جمال المنظر الهِنداب ، علي ترنّمات النعيم توقف الفتي دون حدِّ الهمس الداهشِ فيها ، تتلمذت كلماتُه علي شفاه الصمت ومن بين الثنايا تحِسّ الكلام منه وقد خرج ، قال صمت الحال (1) بلسانه : " فالحديقة في مَثِيْلِها لا وجود لها الا بجمالٍ قد زاد" .

4:51 ص ..
في تلك الليلة المقمرة في وَصْفِها ، في غسق السَحر ، هناك قبل مجِئ الصباح ، قد ازيح ستار النوم في تلك الجفون الذابلة واستقر النوم فيها برهةَ الوقت بالفتي ثم غادر ، مدَّ الفتي يده لِيَقصد النور في مفتاحه ، تناوله برفقِ الضغط ، وبدا النور حينها كَكُحلِ الكَسَل في العيون المغمضة ، كالزهور هُنَّ العيون قد بدت ببطئها حينما تتفتح ، قد شَدّه النظر ليتراءي تلك الساعة التي هي في الحائط القريب ، إنتفض كالنهر المتلاطم في انحداره بكثير الصخر فجأةً ، وبتربع الاقدام ترى الفتي وقد جلس ، نظر.. وإذا بدقائق الوقت في قِلِّها لا تفي له بموائدِ السَّحَر الا بالإكل القليل .
دقائق الفجر في حلولها قد اقتربت ، نظرَ الساعة مرةً تلوها الاخري ، علي أسقُف التذكُّر قد علّق الامل بِبُعد الفجر .. فلعل عيونه حينها كانت بالنظر الخاطئ بالساعة تعول .
قال الحال (2) باللسان متحدثا : " فلربما هي ارهاصات النوم التي تجوب العيون بخداع الوقت كمرآ السراب ، فترانا ننظر رُبع الساعة حينها الا العشر او كمثلها " .. ، ولكن النظر ما غاده الا بحقِيْقِه ، فالفجر في اقترابه قد وان.

تجمع التحّسر علي الشفاه بكظمِها ، والعيون ما وَاْنَتْ آنية الحين الا في إنغلاقٍ آخر ، قطار الوقت في سَبْقِه لم يدع له سوي قِلُّ الدقائق فيها البقاء ، تناول الماء يحتسيه بالوضوء السريع ، تناولتِ الارض السجادةَ التي منه قد إِفتُرِشَت ، دَقَّ الباب في تكبيره السائل وفي سحر الليل اضحي حينها هو الداق ..

قد فتح الباب علي مصراعيه ودخل حينها الفتي ، مكث في سيْره الحثيث حتي وصل الموائد تلك ، جلس وراق له فيها ربيب الجلوس ، تناول من تلك الموائد عديدُ الفاكهة ، تناول تلك المتكورة الحمراء ، قالت الحمراء وهي في بين اضراسه : سئل ..
قال : سألتك ربي وانت تعفو ، وان ترضي وتنجي عبدك الضعيف .
ثم تناول تلك المستطيلة الخضراء ، وهي في ثنايا اسنانه قالت له: سئل ..
قال: ربي اسألك خير الحياة وخير ما فيها ..
ثم تناول البائنة الصفراء ثم فقال : ربي عجّل لي ما كنت آملُكَ وفيك الرجاء ..
ثم تناول شربة ماءٍ باردٍ في حِسّه حينها وقال : ربي هب لي من نسيم الخير فيك ما تقرُّ به عيني ونفسي ..
بعد حين الكلام في إنتهائه ، تري الموائد وقد رفعت ، وانبلج الفجر الصائح حينها بندائه ، وسكت الكلام وذِيع الصمت ...

انتهت ..
31/1/2011
محمود الراعي